30 عامًا في الحكم.

30 عامًا في الحكم.. لماذا تفشل المعارضة السودانية دومًا في هزيمة البشير؟

  • 30 عامًا في الحكم.. لماذا تفشل المعارضة السودانية دومًا في هزيمة البشير؟
  • 30 عامًا في الحكم.. لماذا تفشل المعارضة السودانية دومًا في هزيمة البشير؟
  • 30 عامًا في الحكم.. لماذا تفشل المعارضة السودانية دومًا في هزيمة البشير؟

عربي قبل 5 سنة

30 عامًا في الحكم.. لماذا تفشل المعارضة السودانية دومًا في هزيمة البشير؟

محمد احمد مرسي

الرئيس السوداني يخشى إذا فقد السُلطة أن يفقد معها الحصانة التي توفّر له الحماية من الملاحقة الدولية باعتباره مجرم حرب مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية

كان هذا لسان حال  المعارضة السودانية بعدما تقدّم 33 حزبًا مثّلوا أغلبية أعضاء البرلمان باقتراح تعديل دستوري يهدف لتمديد الحد الأقصى لفترات الرئاسة، والذي كان سيُلزم الرئيس البشير بالتنحي عن السلطة عام 2020، ولكنّ الرجل القابع في الحُكم منذ عام 1989 عقب انقلاب عسكري بات أمام فُرصة أخرى للبقاء للأبد.

وخلال 30 عامًا من حُكم البشير فقدت السودان ثلث مساحتها الجغرافية بانفصال الجنوب عام 2011، وفقدت معه البلاد أغلب ثرواتها الطبيعية و70% من إنتاجها النفطي، كما شهدت دارفور – تقع في الجنوب الغربي – تمرّدات وإبادات جماعية راح ضحيتها 400 ألف قتيل، بخلاف الأزمات الاقتصادية التي يشهدها السودان عقب العقوبات التي أقرّتها عليه الولايات المتحدة منذ عام 2009 بسبب انضمامه لحِلف طهران.

يقول «ر. تاج السرّ»، أحد أعضاء حزب الأمة المعارض لـ« ساسة بوست»: «البشير منذ عام 2010 وهو يُطلق وعوده للمعارضة بأنه لن يترشح مرة أخرى، لكن خُدعته صمدت 20 عامًا دون أن ينجح أحد – حتى المقربين منه – في إقصاءه عن المشهد».

صانع الفِخاخ الذي لم ينتصر عليه أحد

منذ استقلال السودان عن مصر وإنجلترا عام 1956، والحُكم يتمّ تداوله عبر انقلابات بدأت بالإطاحة بالحكومات المنتخبة ثم تحول الصراع إلى بِرك دم عبر الانقلابات المتتالية، وفي عام 1969 وصل جعفر النميري إلى السُلطة عبر انقلابٍ بمشاركة من الحزب الشيوعي السوداني، وبدأ السودان يرسم طريقًا علمانيًا متوافقًا مع أغلب الأنظمة العربية الحاكمة في تلك الفترة.

تعرّض حُكم النميري لثلاثة انقلابات فاشلة قبل أن تطيح به ثورة شعبية عام 1985 سُمّيت بـ«انتفاضة إبريل» والتي انحاز إليها المشير حسن عبد الرحمن سوار الذهب الذين كان وقتها وزير الدفاع، ثم حكم لمدة عام في الفترة الانتقالية وسلّم الحُكم طواعية بعد انتخابات حرّة جاءت بحكومة الصادق المهدي التي ما لبثت أن انقضّ عليها عُمر البشير بانقلابٍ عسكري بدعم من الجبهة الإسلامية القومية – الإخوان المسلمون – التي رأسها حسن الترابي.

تحوّل السودان بعد الشراكة التي عقدها العسكر مع الإسلاميين داخل حكومة الإنقاذ من النهج العلماني إلى حكومة وصفت بالإسلامية، وقد اُستقبل في السودان زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذين مكث خمس سنوات ثم ترك نحو 12 مليون دولارًا بهدف استخدامها في عمليات الجهاد، لكن الدولة التي تبنت المشروع الإسلامي سُرعان ما شهدت تدخّل طرفي الانقلاب في صراع على السُلطة حتى نجح البشير في النهاية في الانتصار على حسن الترابي وعزله من مناصبه عام 1999.

يقول (أ.ع) صحافي سوداني لـ«ساسة بوست»: «بعد أن ضمن البشير ولاء الحركة الاسلامية، اتجه إلى إضعافها من الداخل، فبدلًا عن أن يبحث الإسلاميون شكل علاقاتهم مع الدولة انخرطوا في صراع داخلي انتهى إلى انسحاب الترابي من الحركة، ومن جهة أخرى خاضوا صراعًا ضد الأحزاب الأخرى، وكان الرئيس السوداني هو المنتصر الوحيد في تلك الحرب».

وبالرغم من أنّ البشير أصبح رئيسًا للجمهورية، ورئيسًا للوزراء، وحظي بدعم الحركة الإسلامية والجيش في وقت واحدٍ، إلا أنه حوّل قوات الدفاع الشعبي التي أسسها الترابي إلى قوات الدعم السريع التي مثّلت حائطًا قويًا أمام انقلابات الجيش من جهة، كما شاركت في قمع تمرّدات دارفور، وانتفاضة الجنوب السوداني قبل انفصاله، وحاليًا تتواجد قوات منها في اليمن ضمن التحالف العربي بقيادة السعودية، ويتركز دورها الفعلي في التواجد المكثّف في أطراف العاصمة تحسبًا لأية انتفاضات أو انقلابات محتملة.

ويبدو أنّ الرجل أحكم قبضته حتى داخل الحزب الحاكم فصار رئيسه ما يقرب من 30 عامًا دون تداول داخلي للمناصب، والأمر نفسه حدث داخل الجيش الذين يوصف أنه ظهير الشعب، والبشير خلال مسيرته الممتدة تعرض لعدة انقلابات لم تنجح أيٌ منها حتى الآن، بداية بانقلاب 1990 الذين عُرف باسم «انقلاب رمضان»، مرورًا بانقلاب عام 2004 الذين اُتهم فيه غريمه حسن الترابي، نهاية بالمحاولة الفاشلة التي جرت عام 2008، وتعتبر آخر محاولة انقلاب ناجحة للجيش هي التي قام بها البشير قبل 30 عامًا، ما يعني أن صانع الفخاخ الذي أخضع الجميع لسلطته لم يسقط أبدًا.

«شعبٌ بلا أنياب».. كيف خدع البشير حلفاءه ومعارضيه؟

لم يكن الانقلاب الذي قاده البشير على حكومة الصادق المهدي هو آخر الانقلابات العسكريّة في السودان، فقد انصهر العسكريّون والإسلاميون ضمن ما أسموه «ثورة الإنقاذ»؛ وبينما حصل الضابط المغمور على منصب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، أسّس حسن الترابي، رجل الظل الذين تحكم في المشهد طيلة 10 سنوات، حزبَ المؤتمر الحاكم، وهو ما أنذر للبشير بأن بقائه في السُلطة مُهددًا، طالما أنّ حليفه طامعٌ فيها، لذا بدأ في التحضير للانقلاب الثاني.

فى عام 1994 أعلن الترابي حلّ مجلس قيادة الثورة، كما قدّم مقترحًا للبشير بالتقاعد من الجيش، لكن الأخير رفض بزعم أن وجوده ضمان لنجاح الثورة، وحين تُوفي نائب البشير عام 1998، رفض الرئيس السوداني تعيينَ التُرابي نائبًا له، وفي نفس العام بدأ التحرّك الفعلي من داخل الحزب الحاكم للإطاحة بالمعارضة؛ إذ تقدّم 10 من القياديين الإسلاميين بمذكرة بغرض تقديم إصلاحات حزبية، وتقليص سلطات الترابي وهو الأمين العام، ورئيس البرلمان، وهو ما استجاب لها البشير فعزل شيخه الذي أصبح سجينًا فيما بعد قبل أن يتحوّل إلى صفوف المعارضة.

على جانبٍ آخر، لم تكن المعارضة أشد تماسكًا، فقد اتبع معها البشير سياسة الشدّ والجذب بهدف بقائه في السُلطة، وحين اضطر الرئيس السوداني لدخول أول منافسة على انتخابات الرئاسة عام 2000، حصل على أغلبية الأصوات وسط إقبال ضعيف بسبب المقاطعة، وحين أراد البشير تجديد ولايته بعد خمس سنوات عقد اتفاقًا مع المعارضة التي وحّدت صفوفها بعد التدهور الاقتصادي الذي شهده السودان، واقتضى الاتفاق حينها تعديل الدستوربمشاركة أغلبية أحزاب المعارضة، والذي سمح في بنوده بتحديد فترة الرئاسية بولايتين فقط.

نجح البشير مرة أخرى في شق صفوف المعارضين مثلما فعل داخل الحزب الحاكم، وتقول المعارضة إن صفوفها تعرّضت للانقسام داخليًا عقب دعوات البشير للتحاور الوطني معها برعاية أطراف دولية وإفريقية؛ فبينما يتّجه فريق للتحاور بزعم أنّ المُقاطعة لا تفيد، يتجه فريقٌ آخر بالقول بأن النظام أبرم أكثر من 50 اتفاقًا مع القوى المعارضة والمُسلحة، لكنه لم يلتزم بأي منها، وكانت فقط ستارًا لبقائه في الحُكم.

قُبيل انتخابات 2015، دعا الرئيس السوداني المعارضة مرة أخرى للحوار الوطني الشامل الذين عُقد في إثيوبيا، كما تقابل البشير والترابي وجهًا لوجه بعد قطيعة دامت 14 عامًا، وأعلن النظام أنه يمدّ يده للمعارضة لتجاوز الأزمات، وبالرغم من مقاطعة وانسحاب غالبية فصائل المعارضة المدنية والمُسلحة، إلا أنّ الأطراف المشاركة وصلت إلى اتفاق في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2017 يقضي بتشكيل حكومة الوفاق الوطني، لكنّ المفاجأة أنّ البشير حصل على مزيد من الصلاحيات بعدها، واللافت أنّ البشير أقالها في سبتمبر (أيلول) الماضي بعدما أدت مهمتها السياسية.

كان من نتائج الحوار الوطني، أن أجرى البرلمان السوداني الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم بأغلبية مُريحة تعديلًا دستوريًا عام 2016 يقضي بتعيين 100 نائب من دون انتخابات، يقول (أ.ع) صحافي سوداني لـ« ساسة بوست»: «الذين تم تعيينهم بالأمس هم الذين تقدّموا اليوم بتعديل فترة الرئاسة لتمكين البشير من البقاء في السُلطة للأبد»، وأجاز البرلمان أيضًا قانون الأغلبية الانتخابية الذين سيبدأ العمل به مع انتخابات 2020، وبذلك فقدت المعارضة أي دور لها حتى على الأرض؛ لأنها تواجه الاعتقالات والتضييق الأمني على كافة أنشطتها.

الاستقواء بالخارج.. الطرف الثالث الذي لم يسلم من مراوغة البشير

قصّة صمود البشير في الحُكم حتى الآن لها عدّة روابط خارجية ضمنت له الصمود لأكثر من ثلاثة عقود، بدأ حُكمه بالدعم الداخلي من الإسلاميين، وحصوله على الأموال التي دخلت خزينة الدولة بعد رحيل بن لادن،  الذي استضافه البشير خمس سنوات كاملة في الخرطوم، لكنه ما لبث أن تخلى عنهم جميعًا حين ضاقت عليه اللُعبة.

وسُرعان ما تحوّل البشير من إسلام القاعدة السُنّي إلى حلف طهران الشيعي، وكلتا الدولتين عانتا من الحصار الاقتصادي الأمريكي، وتتقاسمان العداء مع إسرائيل، إلّا أن القاسم الأكبر كان رفع الشعارات الإسلامية في الحكم، التي باركها البشير قائلًا: «ثورة إيران نبراس يضيء الطريق أمام المسلمين والعالم»، لتبدأ الصداقة التي رفضتها الدول العربية بالزيارات المتبادلة، والتعاون العسكري، والتعهد بتمويل المشاريع التنموية في الخرطوم، وبالرغم من الزيارات المتبادلة التي بدأت بزيارة الرئيسين الإيرانيين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي إلى الخرطوم والتي ردها عُمر البشير في زيارات متكررة، إلا أنّ الرئيس السوداني لم يحصل على المال فغيّر وجهته إلى أعداء أعدائه.

في عام 2014، ضيّقت السعودية الحصار الاقتصادي على السودان حينما أوقفت تحويلات الصرف لأكثر من 500 ألف سوداني مقيم في المملكة، أو ما تساوي قيمتها 7 مليار ريال سعودي، وفي نهاية العام كانت تتغير الخريطة السياسية للأحداث ببدء الاستعدادات لحرب اليمن، فحين طلبت السعودية والإمارات من كل من مصر وباكستان والمغرب وتركيا وبنجلاديش، المشاركة بقوّات عسكرية بريّة، قوبل طلبهم بالرفض.

وهي الفرصة المثالية التي وجدها البشير لشراء حُلفاء جدد يدعمونه في الداخل، فأعلن انضمام بلاده إلى «عاصفة الحزم» تحت شعار «حماية أرض الحرمين الشريفين، وحماية الدين والعقيدة» ليس هذا فقط؛ بل إن وزير الدفاع السوداني أعلن أن المشاركة تتمثل في قوات برية وجوية. وبعد أيام، تصل الدفعة الأولى من الجنود السودانيين تضمّ 1200 جندي، بالإضافة إلى عشرات الآلات الثقيلة والمدرعات العسكرية.

وفي المقابل حصل من الإمارات على نصف مليار دولار وديعة، والتي أسفرت عن استقرار سعر صرف الجنيه السوداني، كما عقد مع السعودية اتفاقيّات زراعية لصفقة جديدة على أربع اتفاقيات لتمويل سدود على نهر النيل بما قيمته مليار وربع المليار دولار، واتفاقية أخرى تقضي بزراعة نحو مليون فدان من الأراضي شرق السودان بميزانية 500 مليون دولارًا.

اللافت أنّ البشير رفض الانحياز إلى جانب الرياض في حصارها ضد قطر، كما أنه منح تركيا  حقّ إدارة جزيرة سواكن الاستراتيجية الواقعة على البحر الأحمر في صفقة أغضبت السعودية الإمارات، وهو ما بدا بأن البشير يمشي على جميع الحبال دون أن يسقط؛ إنّها الاستراتيجية القديمة التّي مكّنته من حُكم السودان طيلة ثلاثة عقود عبر الصفقات الاقتصادية والدعم السياسي الخارجي.

الرئيس السوداني حتى الآن لا يزال مطلوبًا لدى المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت بحقه مذكرة اعتقال دولية باعتباره مجرم حرب؛ إذ وجّهت له في عام 2008 اتهامات إبادة جماعية في دارفور، ونتيجة للمذكرة التي صدرت بحقه، أصبح لزامًا على كل الدول الموقعة للاتفاقية مع المحكمة تسليم البشير، وفي الوقت الذي اتخذت فيه الجامعة العربية من العقوبات الأمريكية موقفًا رآه البعض متخاذلًا أغضب السودان؛ دعا الرئيس السوداني الجامعة العربية إلى اتخاذ موقف مماثل للاتحاد الأفريقي الذي دعا إلى رفض القرار، وعدم التعامل مع المحكمة الجنائية؛ كذلك اتخذ الاتحاد قرارًا دعا فيه الدول الأعضاء إلى عدم الالتزام بالعقوبات الأمريكية.

وفي الوقت الذين تفشل فيه الأحزاب  المعارضة في تنظيم عصيان مدني على المستوى الداخلي نتيجة تفكّكها وعدم توّحد أهدافها، يعترف المعارضون بأنهم رغم الاحتجاجات المتكررة التي تضرب بلادهم، إلا أنها دومًا ما تفشل في إحداث تغيير مطلوب، نظرًا لعدة عوامل أبرزها البطش الأمني ولُعبة السياسة الخارجية التي أجادها الرئيس السوداني والذي نجح في حشد البرلمان في التعديل الدستوري الذي سيضمن له البقاء في أعلى هرم السلطة، كما ذكرنا في السطور السابقة.

ساسه بوست

 

التعليقات على خبر: 30 عامًا في الحكم.. لماذا تفشل المعارضة السودانية دومًا في هزيمة البشير؟

حمل التطبيق الأن